يرى محللون أن التخبط الإسرائيلي بشأن مسودة واشنطن لترسيم الحدود البحرية مع لبنان كان متوقعا تحت وطأة التحضير لمعركة انتخابية حامية بين رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد ومنافسه زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو.
وجاء الرفض الإسرائيلي للملاحظات اللبنانية في مرحلة حاسمة وفي وقت ينتظر فيه لبنان ردا رسميا واضحا من الوسيط الأميركي حول موقف إسرائيل من التعديلات التي أدخلها على مسودة الاتفاقية.
وبعد رفض ملاحظات بيروت، كلف المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لبيد ووزير الدفاع بيني غانتس بالاستعداد لأي تصعيد محتمل مع لبنان.
وعليه، دخلت المفاوضات منعطفا جديدا فتحت معه الأبواب أمام احتمالات متعددة، ومنها: إما إصرار تل أبيب على رفض ملاحظات بيروت، وتحديدا المتعلقة بخط الطفافات وحقل قانا، أو دخول منطقة رمادية عنوانها خلط الأوراق مجددا في مسار المفاوضات غير المباشرة، ويخشى كثيرون أن تؤدي إلى تداعيات غير محسوبة في ظل تصاعد موقف إسرائيل ضد ما تعده تقديم تنازلات لصالح حزب الله.
لم يفصح الجانب اللبناني رسميا عن مضمون العرض الأميركي، لكن ما سرب منه أقل من 10 نقاط، تمحور أبرزها على وضعية حقل قانا، وخط الطفافات وآلية عمل شركة “توتال” لصالح لبنان عند التنقيب بقانا.
وتشير المعلومات إلى أن الملاحظات التي سلمها لبنان للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الاثنين الماضي بعضها تقني إصطلاحي قانوني يتعلق بعبارات وردت في المسودة طالب لبنان بإعادة صياغتها حفاظا على حقه حاضرا ومستقبلا، ولعدم وقوعه في أفخاخ قانونية، وتحصين وضعه في وجه إسرائيل، وفقا لما يقوله الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي.
ويفصل بزي الملاحظتين الجوهريتين اللتين أثارتا توترا وتخبطا في إسرائيل، وفق الآتي:
رفض اعتراف لبنان بما يعرف بخط العوامات البحرية “الطفافات”، وعدّه غير قانوني، مقابل الانطلاق من ترسيم الحدود البحرية من نقطة بحرية هو الخط 23، على أن يبدأ على بعد نحو 6 كيلومترات من البر. وتاليا تكريس ملكية لبنان للنقطة “بي-1” الواقعة بخليج رأس الناقورة، وعدّها جزءا من حدوده البحرية.
وفيما يتعلق بحقل قانا، فلن يقدم لبنان أي تعويض مالي لإسرائيل، وشركة “توتال” هي التي ستدفع لتل أبيب، وأن أي خلاف مستقبلي بين توتال والحكومة الإسرائيلية لا يؤثر على عملية التنقيب والاستخراج لصالح لبنان.
ويقول بزي المطلع على الملاحظات اللبنانية، إن لبنان كان حاسما لجهة عدم التسليم بخط الطفافات كأمر واقع يقتطع جزءا من مياهه الإقليمية، وعليه فإن “لبنان فصل بين البر والبحر، وهذا ما يفوت على إسرائيل استمرار الإمساك بالنقاط الحاكمة بمنطقة خط الطفافات التي تكشف لإسرائيل كل خليج عكا وساحله الشمالي”.
ويضيف بزي أنه بناء على رفض إسرائيل مصطلح “حقل قانا”، سمته المسودة الأميركية حقل “صيدا”، فطلب لبنان تسميته حقل “صيدا-قانا”. كما أصر لبنان وفقه على التمسك بحق “الفيتو” في هذا الحقل، وعدم السماح لإسرائيل التصرف به خارج الإرادة اللبنانية.
ووسط تضارب في القراءات، يوضح المحامي وأستاذ القانون الدولي بول مرقص بعض المسائل المتعلقة بملاحظات لبنان واتفاقية ترسيم الحدود مع إسرائيل؛ فقضية خط الطفافات تعود للعام 2000 عقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهو بطول 7 كيلومترات، من رأس الناقورة غربا، بينما طول الحدود البحرية 130 كيلومترا، أي لا يتعدى 10 % من مساحة الحدود، ولا يتعلق بملف الغاز والنفط لأن البلوكات اللبنانية تبعد 3 أميال عن الشاطئ.
وحسب التعريف العلمي، فإن “العوامات البحرية (الطفافات) تعد علامات مرورية لحركة سير وسلامة السفن، أو أي شيء آخر يمر بالبحر”.
وفي حال الاعتراف بإحداثيات الطفافات المتطابقة مع الخط الإسرائيلي الرقم واحد لترسيم الحدود البرية، يعني القطع من الحدود اللبنانية نحو كيلومترين مربعين، فتأخذ إسرائيل الحجة بأن لبنان اعترف بخط الطفافات، ولا عودة عنه.
ويوضح الخبير أن هذا الخط لا يلتقي مع نقطة رأس الناقورة، بل شمالها؛ “مما يعني أن أي خطوة من هذا النوع تؤدي إلى نقل ملكية نفق الناقورة للإسرائيليين وجعله ضمن حدودهم”.
لذلك “يتمحور البحث حول نيل لبنان النفط والغاز من حقل قانا كاملا على أن تعوض شركة توتال الفرنسية إسرائيل”.
سياسيا، يتقدم السؤال حول مصير الاتفاق كحدث مفصلي لرسم إيقاع العلاقة ببين لبنان وإسرائيل، وهنا يقول وسيم بزي إن رد فعل إسرائيل السلبي على ملاحظات لبنان يعني كسرا لمرحلة التفاؤل بإحياء منطق التوتر والتصعيد.
ومع ذلك، على لبنان -وفق قوله- الحذر من استدراجه لسجال إعلامي، مقابل التعاطي بحرفية بانتظار ما سينقله الأميركيون، وسماع موقف واشنطن الرسمي ككلمة فصل لمسار التفاوض.
أما إذا أصرت إسرائيل على سلبيتها، فـ”لبنان سيرمي الحجة أمام واشنطن والمجتمع الدولي، ويستنفد كل الفرص المتاحة تفاوضيا بالمعنى السلمي”.
ومن جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب إن لبنان اليوم بعد الموقف الإسرائيلي الرافض ملاحظاته أمام المعادلة الآتية: لا اتفاق، ولا تنقيب في حقلي كاريش وقانا، وحرب لا مصلحة فيها لواشنطن وإسرائيل وحزب الله.
ويرى أيوب أن فرصة الاتفاق بشأن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل باتت ضعيفة للغاية، كما يرى أن واشنطن واقعة في حرج كبير، لأن عامل الوقت مهم للغاية بالنسبة لها.
دوليا، تنظر أميركا للاتفاق من زاوية أزمة الطاقة العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
ولا تريد واشنطن وصول طرفي الاتفاق إلى نهاية الشهر الحالي، وهو موعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، لما سينتج عنه من سجال حول دستورية التوقيع في ظل عدم وجود رئيس جمهورية منتخب وحكومة تصريف أعمال؛ ما يجعل مشهد جلوس الرؤساء الثلاثة معا لبحث العرض الأميركي مستحيلا بعده.
وفي المحور الإسرائيلي، تفضل واشنطن إنجاز الاتفاق قبل نهاية الشهر الحالي، خشية من تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وعليه فإنها “تخشى أن تكون عرضة معه لاختبار إسرائيلي خطير قد يفتح الجبهة مع لبنان”. وأصداء تل أبيب السلبية تؤكد، وفق أيوب، صحة المخاوف الأميركية تجاه إسرائيل، لأن الضغط الذي مارسه نتنياهو والمعارضة أعطى مفعولا كبيرا.
ويضيف أيوب “أن أمام واشنطن فرصة 25 يوما حاسمة للضغط، قد تبذل خلالها قوة دفع غير مسبوقة لإعادة إحياء المفاوضات وتفادي تداعيات سقوط الاتفاق”.