خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، تزايد بالولايات المتحدة الأميركية الشعور المعادي للآسيويين وخاصة الصينيين منهم. ومع حلول شهر أيار/مايو سنة 1882، مررت الولايات المتحدة الأميركية قانون استبعاد الصينيين الذي منع هجرة العمال الصينيين نحو الولايات المتحدة الأميركية لعشرة سنوات. وبالفترة التالية، لم تتردد واشنطن في تمرير قانون آخر لاستبعاد كافة الآسيويين من نظام الهجرة.
وعلى الرغم من هذه القوانين، تمكن عدد من الصينيين من الوصول للولايات المتحدة ضمن بعثات رسمية لمواصلة دراستهم بالجامعات الأميركية. وفي الأثناء، يصنف المهندس وانغ تسو (Wong Tsu) ضمن قائمة هؤلاء المبتعثين الذي حلوا بالأراضي الأميركية وتمكنوا من تحقيق إنجازات هامة جعلت منهم شخصيات مؤثرة بالتاريخ الأميركي.
نجاح وانغ تسو مع بوينغ
ففي الثانية عشرة من عمره، اختير وانغ تسو، المولود ببكين سنة 1893، للالتحاق بأكاديمية مانشو البحرية الحكومية. ومع بلوغه السادسة عشرة، تواجد الأخير ضمن قائمة الطلاب الذين أرسلتهم الحكومة الصينية لإنجلترا لدراسة الهندسة البحرية. وبعدها بفترة وجيزة، أرسل وانغ تسو ضمن بعثة صينية لمواصلة دراسته بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وبهذا المعهد الأميركي، استغل وانغ تسو أحد المخابر لإجراء تجارب، خاضعة للرقابة، حول الاستقرار الديناميكي الهوائي. ومع تقديم أطروحته بالمعهد حول الهواء والإسطوانات، أصبح وانغ تسو واحدا من المهندسين القلائل الحاصلين على درجة علمية بمجال الطيران.
لاحقا، تعلم وانغ تسو الطيران واستخدام الطائرات عقب التحاقه لفترة وجيزة بمدرسة كورتيس (Curtiss) ببوفالو (Buffalo). وبفضل هذه الإنجازات، عيّنت مؤسسة بوينغ (Boeing) الناشئة وانغ تسو كأول مهندس طيران مدرب.
أثناء فترة عمله لصالح بوينغ، لعب وانغ تسو دورا هاما في تطوير الطائرة نموذج سي (Model C) حيث أدخل الأخير تحويرات عديدة عليها جاعلا الأجنحة تميل قليلا للأعلى تزامنا مع وضعه للجناح العلوي أمام الجناح السفلي بدلا من تكديسه بهدف تحقيق مزيد من الاستقرار بالطائرة أثناء التحليق.
أثارت هذه الطائرة المائية نموذج سي إعجاب المسؤولين ببوينغ الذين أشادوا بها وبجودتها. ويوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1916، حلقت هذه الطائرة لأول مرة وحققت نجاحا غير مسبوق بمجال الطيران. وعقب رحلات تجريبية بفلوريدا صيف العام 1917، أعجب مسؤولو البحرية الأميركي بالطائرة موديل سي ووصفوها بأفضل الطائرات التي شاهدوها. وبالفترة التالية، قدمت الإدارة الأميركية عرضا بقيمة 575 ألف دولار لاقتناء 50 نموذج من هذه الطائرة. وبفضل هذه الصفقة وقيمتها، تحولت بوينغ بتلك الفترة لأهم الشركات المصنعة للطائرات الناجحة بالولايات المتحدة الأميركية.