لطالما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في الحروب، إذ تتحول إلى ساحة معارك “كلامية” أو “إيحائية” بين مؤيد لهذه القضية أو مناهض لها، كما حصل مثلا في الحرب الروسية- الأوكرانية. ويبدو أن للحرب الإسرائيلية على غزة وقعا خاصا على هذه المواقع، وجعلت إدارة بعض من هذه المواقع في حيرة من أمرهم بين “الممنوع” و”المسموح” نشره، حتى إن البعض فقد تقريبا السيطرة على إدارة قسم منها في ظل وجود الذكاء الاصطناعي.
فواتساب، التي تولد صورًا استجابةً لعمليات بحث المستخدمين، تعرض صورة مسدس أو صبي يحمل مسدسًا عندما يُطلب منها مصطلحات “فلسطيني” أو “فلسطين” أو “فتى مسلم فلسطيني”. اختلفت نتائج البحث عند اختبارها من قبل مستخدمين مختلفين، لكن صحيفة “الغارديان” البريطانية تقول إنها تحققت من الأمر من خلال لقطات الشاشة واختباراتها الخاصة من ظهور ملصقات مختلفة تصور أسلحة في نتائج البحث الثلاثة هذه.
الذكاء الاصطناعي.. طرف في المعركة
وأدت مثلا كلمة البحث عن “طفل إسرائيلي” إلى ظهور رسوم كاريكاتيرية لأطفال يلعبون كرة القدم ويقرأون.
وتقول الصحيفة إنه رداً على طلب من “الجيش الإسرائيلي”، أنشأ الذكاء الاصطناعي رسومات لجنود يبتسمون ويصلون، دون استخدام أسلحة. وقال شخص مطلع على المناقشات إن موظفي ميتا قاموا بالإبلاغ عن المشكلة وتصعيدها داخليًا.
يتيح تطبيق “واتساب” المملوك لشركة “ميتا” للمستخدمين تجربة منشئ الصور “AI” الخاص به “لإنشاء ملصق”. وتطالب هذه الميزة المستخدمين “بتحويل الأفكار إلى ملصقات باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
على سبيل المثال، أظهرت عمليات بحث “الغارديان” عن “فلسطين المسلمة” أربع صور لامرأة محجبة: واقفة ساكنة، تقرأ، تحمل زهرة، وتحمل لافتة. لكن بحث صحيفة الغارديان عن “فتى مسلم فلسطيني” أدى إلى ظهور أربع صور للأطفال: صبي يحمل سلاحًا ناريًا يشبه AK-47 ويرتدي قبعة يرتديها عادة الرجال والفتيان المسلمون تسمى الكوفية.
طفل فلسطين.. “بندقية”!
بحث آخر لصحيفة “الغارديان” عن “فلسطين” أدى إلى ظهور صورة يد تحمل مسدسًا. ومع ظهور “إسرائيل”، أعادت الميزة العلم الإسرائيلي ورجلا يرقص.
وأثار البحث عن “حماس” رسالة “لا يمكن إنشاء ملصقات تعمل بالذكاء الاصطناعي. حاول مرة أخرى”.
كما أظهر بحث “الفتى اليهودي الإسرائيلي” أربع صور لأولاد، تم تصوير اثنين منهم وهما يرتديان قلائد عليها نجمة داود، وواحد يرتدي القبعة اليهودية ويقرأ، والآخر واقف. ولم يحمل أي منهم أسلحة.
حتى طلبات البحث العسكرية الصريحة مثل “الجيش الإسرائيلي” أو “قوات الدفاع الإسرائيلية” لم ينتج عنها صور بالبنادق. وصورت الرسوم الكاريكاتيرية أشخاصًا يرتدون الزي الرسمي في أوضاع مختلفة، وكان معظمهم يبتسمون. وأظهر أحد الرسوم التوضيحية رجلاً يرتدي الزي الرسمي وهو يرفع يديه إلى الأمام في الصلاة.
ولد إسرائيلي.. “فرح ورقص”!
ويتزامن هذا الأمر مع تعرض “ميتا” لانتقادات من العديد من مستخدمي “إنستغرام” و”فيسبوك” الذين ينشرون محتوى داعمًا للفلسطينيين. ومع استمرار القصف الإسرائيلي لغزة، يقول المستخدمون إن شركة “ميتا” تطبق سياساتها بطريقة متحيزة، وهي ممارسة يقولون إنها ترقى إلى مستوى الرقابة.
أبلغ المستخدمون عن إخفائهم عن المستخدمين الآخرين دون تفسير، ويقولون إنهم شهدوا انخفاضًا حادًا في التفاعل مع منشوراتهم.
وقالت “ميتا” سابقًا في بيان: “لا ننوي أبدًا قمع مجتمع معين أو وجهة نظر معينة”، ولكن بسبب “الكميات الكبيرة من المحتوى الذي يتم الإبلاغ عنه” المحيط بالصراع المستمر، “المحتوى الذي لا ينتهك سياساتنا قد تتم إزالتها عن طريق الخطأ”.
قال المتحدث باسم “ميتا”، إن الشركة على علم بالمشكلة وتعالجها: “كما قلنا عندما أطلقنا الميزة، يمكن أن تعرض النماذج مخرجات غير دقيقة أو غير مناسبة كما هو الحال مع جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية. سنواصل تحسين هذه الميزات مع تطورها وسيشارك المزيد من الأشخاص تعليقاتهم”. كما وثّق المستخدمون عدة حالات لترجمة “إنستغرام” لكلمة “فلسطيني” متبوعة بعبارة “الحمد لله” في النص العربي إلى “إرهابي فلسطيني”. واعتذرت الشركة عما وصفته بـ”الخلل”.
“ميتا”.. تعترف بورود “خلل”
وواجهت ميتا ضغوطًا متكررة من المبدعين والناشطين والصحافيين الفلسطينيين، خاصة في أوقات تصاعد العنف أو العدوان تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية. وجدت دراسة أجريت بتكليف من الشركة في سبتمبر 2022 أن سياسات المحتوى الخاصة بـ”فيسبوك” و”إنستغرام” خلال الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة في مايو 2021 انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني.
وقال التقرير إن تصرفات ميتا ربما كان لها “تأثير سلبي على حقوق المستخدمين الفلسطينيين في حرية التعبير، وحرية التجمع، والمشاركة السياسية، وعدم التمييز، وبالتالي على قدرة الفلسطينيين على تبادل المعلومات والرؤى حول حياتهم”.
تلقت “توبيخات”
وتلقت شركة “ميتا” “توبيخات” من الاتحاد الأوروبي لعدم معالجتها لما يقول الاتحاد إنها معلومات مضللة على منصاتها، مما دفعها للاستجابة بحذف نحو 700 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية، وصفتها بأنها “مزعجة أو غير قانونية” فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
كما واجهت شركات التواصل الاجتماعي اتهامات بازدواجية المعايير وممارسة تضييق على حرية الرأي والتعبير لخدمة إسرائيل، وصلت إلى حد إغلاق حسابات كانت مخصصة لنشر الصور ومقاطع الفيديو لما يعانيه الفلسطينيون يوميا. هذا الأمر أثار الجدل وأدى إلى مطالبات بزيادة شفافية هذه المواقع وتحسين سياستها.