قال مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تشعر بالقلق من افتقار إسرائيل إلى أهداف عسكرية قابلة للتحقيق في غزة. ووفق تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، لفت المسؤولون إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية ليست مستعدة بعد لشن غزو بري بخطة يمكن أن تنجح.
وفي محادثة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الحاجة إلى دراسة متأنية لخطة إسرائيل في حال قررت الدخول إلى غزة براً، حيث تحتفظ «حماس» بشبكات أنفاق معقدة تحت مناطق مكتظة بالسكان. وأصر مسؤولو إدارة بايدن على أن الولايات المتحدة لم تخبر إسرائيل بما يجب عليها فعله وما زالت تدعم الغزو البري. لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أرسلت ضابطاً رفيع المستوى من مشاة البحرية، هو الجنرال جيمس غلين، إلى جانب ضباط آخرين لمساعدة الإسرائيليين في مواجهة تحديات خوض حرب المدن.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، أمس، إن إرسال الجنرال غلين إلى إسرائيل، لا يعني أن «البنتاغون» يتخذ القرارات نيابة عن تل أبيب، مؤكداً أن الجنرال لن يكون موجوداً على الأرض في إسرائيل إذا بدأ التوغل بغزة. ولم يرد المسؤولون الإسرائيليون في واشنطن على الفور على طلبات التعليق. لكن دبلوماسياً من السفارة الإسرائيلية نفى، أول من أمس، أن تكون الحكومة الأميركية نصحت الإسرائيليين بتأجيل الغزو البري. وقال الدبلوماسي: «الولايات المتحدة لا تضغط على إسرائيل فيما يتعلق بالعملية البرية».
ووصف أوستن، في محادثاته مع غالانت، الحملة الشاقة لتطهير مدينة الموصل العراقية من مقاتلي تنظيم «داعش» بين عامي 2016 و2017. وكان أوستن في تلك الفترة رئيساً للقيادة المركزية للولايات المتحدة. وقال أوستن: «أول شيء يجب أن يعرفه الجميع، وأعتقد أن الجميع يعرفه، أن القتال في المناطق الحضرية صعب للغاية». وأشار إلى أنه «شجع» غالانت على «إجراء عملياتهم وفقاً لقانون الحرب». ويزداد قلق المسؤولين الأميركيين من أن يؤدي الغزو البري في غزة إلى خسائر فادحة بأرواح المدنيين.
وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إن أوستن شدد في مكالمة هاتفية ثانية مع غالانت، أمس، على «أهمية حماية المدنيين». وفي بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني، قال المتحدث باسم «البنتاغون»، الجنرال باتريك س. رايد، إن الرجلين ناقشا أيضاً المساعدة الأمنية الأميركية لإسرائيل. لكن المسؤولين قالوا إن الإدارة تشعر بالقلق أيضاً من أن الجيش الإسرائيلي ليس لديه حتى الآن مسار عسكري واضح لتحقيق هدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتمثل في القضاء على «حماس». وفي محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين منذ بدء هجمات «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قال المسؤولون الأميركيون إنهم لم يروا بعد خطة عمل قابلة للتحقيق. وقد لمح الرئيس بايدن إلى ذلك علناً. وخلال خطابه في تل أبيب الأسبوع الماضي، حذر من أن إسرائيل ستحتاج إلى «الوضوح بشأن الأهداف وتقييم صادق حول ما إذا كان المسار الذي تسلكه سيحقق تلك الأهداف، أم لا».
وقال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل يجب أن تقرر ما إذا كانت ستحاول، على سبيل المثال، القضاء على «حماس» باستخدام ضربات جوية دقيقة مقترنة بغارات مستهدفة من قبل قوات العمليات الخاصة – كما فعلت الطائرات الحربية الأميركية والقوات العراقية والكردية في الموصل – أو الدخول إلى غزة بالدبابات والمشاة، كما فعلت القوات الأميركية، إلى جانب القوات العراقية والبريطانية، في الفلوجة عام 2004. وأضاف المسؤولون أن كلا الأسلوبين سيؤدي إلى خسائر فادحة، لكن العملية البرية قد تكون أكثر دموية بالنسبة للعسكر والمدنيين. وفي «البنتاغون»، يعتقد كثير من المسؤولين أن عمليات تطهير الموصل والرقة في العراق بعد أكثر من عقد من الزمن من تطهير الفلوجة هي نموذج أفضل لحرب المدن.
لكن كلاً من الموصل والرقة أسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وفي حين أن هذه الأرقام يمكن أن تختلف بشكل كبير، فقد قدرت وكالة «أسوشييتد برس» عدد المدنيين الذين قتلوا خلال الجهود المبذولة لتحرير الموصل من مقاتلي «داعش» بما يتراوح بين 9 آلاف و11 ألفاً. وقال الباحث في «معهد واشنطن»، مايكل نايتس، إن تنظيم «داعش» لم يكن أمامه سوى عامين لإعداد دفاعاته في الموصل. وأضاف: «كان أمام حماس 15 عاماً لإعداد دفاع كثيف يدمج التحصينات الجوفية والأرضية وفوق الأرض، وأنفاق الاتصالات، والمرابض ومواقع القتال، بالإضافة إلى التحصينات العسكرية وحقول الألغام المحتملة، والأجهزة المتفجرة المرتجلة، والألغام المضادة للدروع المتفجرة، والمباني المجهزة كأفخاخ متفجرة». ودعا السيناتور جاك ريد، وهو ديمقراطي من ولاية رود آيلاند ويرأس لجنة القوات المسلحة، إسرائيل، أمس، إلى تأجيل الغزو البري لغزة لكسب الوقت لإجراء مفاوضات بشأن الرهائن، والسماح بوصول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين.
وتابع: «من وجهة النظر العملياتية، فإن هذا الأمر معقد للغاية، وكلما زادت المعلومات الاستخبارية التي تجمعها وتمكن قواتك من المشاركة في القتال بالمناطق الحضرية، كان ذلك أفضل». وحذر ريد من أن القتال في المناطق الحضرية بغزة من مبنى إلى مبنى سيكون «جهداً طويل الأمد»، مشيراً إلى أن الأمر استغرق الجيش العراقي، بمساعدة الولايات المتحدة، 9 أشهر لهزيمة تنظيم «داعش» من الموصل.