يستمر نزوح الأرمن الجماعي من جيب ناغورني كاراباخ، الجمعة؛ غداة الإعلان عن حل الجمهورية الانفصالية المعلنة من جانب واحد، وعلى الرغم من دعوات أذربيجان لهم للبقاء.
وخلال فرارهم على الطريق الجبلي الوحيد الذي يربط الإقليم بأرمينيا، قُتل ما لا يقل عن 170 شخصاً في انفجار مستودع للوقود الاثنين، وفقاً لحصيلة جديدة نشرتها الشرطة التابعة للقوات الانفصالية الجمعة.
وقالت، إنّه “تمّ العثور حتى الآن على رفات 170 شخصاً … وتمّ تسليمها إلى الطب الشرعي”. وسيتم إرسالها إلى أرمينيا لتحديد هويات أصحابها.
في سياراتهم المملوءة بالمؤن القليلة، المتبقية بعد أشهر من حصار باكو، توقف العديد من السائقين في هذه المحطة الواقعة على مشارف “العاصمة” ستيباناكيرت، وهي واحدة من المحطات القليلة التي ما زالت في الخدمة.
وأدى الحادث أيضاً إلى إصابة 349 شخصاً، معظمهم يعانون من حروق خطيرة.
تلقى الناجي الجريح سامفيل هامباردسيوميان رعاية في بلدة غوريس الحدودية الأرمنية؛ وهو يستريح في خيمة للصليب الأحمر. وقال الرجل الذي أصيب بحروق في وجهه ولُفت يداه بضمادات سميكة إنه كان يسير نحو المحطة لجلب البنزين عندما حدث الانفجار وألقاه على الأرض.
وأضاف الرجل البالغ 61 عاما؛ وهو أب لتسعة أطفال لوكالة فرانس برس: “كان تسعة أشخاص أمامي في الطابور. لو لم يكونوا هناك لاحترقت تمامًا. … لا أحد يعرف بالضبط ما حدث، يقول البعض، إن شخصا ما أشعل النار، ويقول آخرون، إن قنبلة يدوية ألقيت”.
في المجموع، أُفيد عن مقتل نحو 600 شخص في أعقاب الهجوم العسكري الخاطف الذي شنّته باكو وأدى إلى استسلام الانفصاليين في 20 أيلول/سبتمبر. وأدى القتال نفسه إلى مقتل نحو 200 جندي من كلّ جانب.
تذكارات وكتب محترقة
أصدرت سلطات ناغورني كاراباخ الانفصالية الخميس؛ مرسوماً يأمر بحلّ “جميع المؤسسات … في الأول من كانون الثاني/يناير 2024” معلناً أنّ جمهورية ناغورني كاراباخ المعلنة من جانب واحد قبل أكثر من 30 عاماً “ستزول من الوجود”.
بدوره، أعلن الكرملين الجمعة، أنّ روسيا ستقرّر مع أذربيجان مستقبل مهمّة حفظ السلام في هذه المنطقة الانفصالية التي نشرت فيها قوات منذ العام 2020.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف رداً على أسئلة الصحفيين بشأن مستقبل هذه القوات “بما أنّ المهمّة موجودة الآن على الأراضي الأذرية، فإنّ هذه النقطة ستكون موضوع مناقشات مع الجانب الأذري”.
في أيام قليلة، غادر 93 ألف شخص؛ أي أكثر من ثلاثة أرباع سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفًا منازلهم، وفقاً لآخر إحصاء نشرته يريفان.
وتسود خشية من الانتقام بين سكان المنطقة ذات الغالبية المسيحية، التي انفصلت عن أذربيجان ذات الغالبية المسلمة بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، وخاضت على مدى أكثر من ثلاثة عقود مواجهات مع باكو، لا سيما خلال حربين بين عامي 1988 و1994، وفي خريف العام 2020.
ومن بين اللاجئين الذين التقتهم وكالة فرانس برس في غوريس، تحدّث الجميع عن “وحشية” هذه الحرب الأكثر تدميراً بكثير من سابقاتها، فضلاً عن الرعب الذي عانوا منه عند وصول جنود العدو.
وقال معظم الأشخاص في هذه المنطقة التي يتمتّع فيها جميع الرجال بخبرة في الجيش والقتال، إنّهم أحرقوا زيّهم الرسمي ووثائقهم العسكرية، وحتى أكثر من ذلك بكثير.
وقالت الشابة لاريسا “الصور العائلية وذكرياتنا، وكتب تاريخ أبطالنا. ليس هناك شك في أنّ الأذريين سوف يدنّسونها”.
تعايش مستحيل
اتهم رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان أذربيجان بتنفيذ “تطهير عرقي” معتبراً أنه لن يكون هناك أرمن في الجيب “في الأيام المقبلة”.
غير أنّ باكو رفضت هذا الاتهام، مؤكدة أن “السكّان الأرمن يغادرون كاراباخ بمحض إرادتهم” فيما دعتهم إلى “عدم مغادرة منازلهم” وإلى أن “يكونوا جزءاً من مجتمع متعدّد الأعراق”.
ولكن هذا الاحتمال يصعب تصوّره بالنسبة إلى كثيرين.
ويقول الباحث في معهد العلوم السياسية في فرنسا بيرم بالجي، إنّ “لا أحد يؤمن بإمكان التعايش بين الطائفتين. لا الأرمن ولا الأذريون مستعدّون لهذا الخيار”.
ويضيف أنّ أرمن ناغورني كاراباخ “غادروا بإرادتهم. أجد أنّ الأمر أكثر إثارة للقلق” ممّا لو تمّ طردهم، مقدّراً أنّ “5 إلى 10 آلاف نسمة فقط ربما سيبقون” هناك.
وتقول يريفان، إنّ مخاوف السكان تتأجّج بسبب سلسلة من “الاعتقالات غير القانونية” بين صفوف المدنيين الفارّين، على الرغم من التزام السلطات الأذرية السماح للانفصاليين الذين سلّموا أسلحتهم بالمغادرة.
وأعلن جهاز الأمن الأذري الجمعة، أنه اعتقل قائدا كبيرا في ناغورني كاراباخ للاشتباه في تورطه في أنشطة “إرهابية”. وقال، إن الموقوف الذي عرف عنه على أنه دافيت مانوكيان ارتقى إلى رتبة ميجور جنرال في الجيش الأرمني قبل أن يصبح النائب الأول لقائد القوة الانفصالية
وتقول زالا بيراموفا المحامية المتخصّصة في مجال حقوق الإنسان وابنة أحد رموز المعارضة الموجود في السجن في باكو “لقد اتُهموا جميعاً بالإرهاب والخيانة لمجرّد نشرهم رسائل (على منصات التواصل الاجتماعي) تنتقد الحرب”.
وتضيف “لذلك، عندما تقول الحكومة إنّها ستعامل الأرمن بشكل جيّد وبكرامة، فهذا غير صحيح البتة”.
في أرمينيا التي يتدفق إليها اللاجئون، يتنامى شعور بالغضب. وأعلن معارضو رئيس الوزراء نيكول باشينيان المتهم بالوقوف متفرجًا أمام هجوم باكو الخاطف، تنظيم مسيرة السبت.
وتلقي يريفان باللوم على روسيا، الحليف التقليدي الذي لم يتدخل، في حين يفترض به أن يضمن الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار المبرم عام 2020.
من جانبه، طالب الاتحاد الأوروبي بإرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة “في الأيام المقبلة”. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية في بيان “هناك نزوح جماعي للأرمن من ناغورني كاراباخ … من الملح ضمان المساعدات الإنسانية بدون عوائق لأولئك الذين ما زالوا بحاجة إليها في قره باغ وللذين فروا” من الإقليم.