خلال السنوات الأخيرة، أخذت حالات الانتحار في العراق منحى تصاعديا، حيث أكدت وزارة الداخلية في إحصاء أنها بلغت 376 حالة في أنحاء البلاد عدا إقليم كردستان عام 2015، و343 حالة في العام التالي، ثم صعدت إلى 449 حالة في عام 2017، وإلى 519 حالة في العام التالي، حتى وصلت تدريجيا إلى 1073 حالة العام الماضي.
وبلغ عدد حالات الانتحار في محافظة واسط وحدها نحو 30 حالة في عام واحد، شملت أطفالا ونساء، وهو الأمر الذي وصفته الأجهزة الأمنية في المحافظة بـالخطير.
30 حالة في واسط وحدها
في حين لم تكن واسط وحدها التي سجلت هذا العدد الكبير من حالات الانتحار؛ فمحافظة بابل، الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة بغداد، سجلت خلال العام الماضي فقط 28 حالة انتحار، وكان العدد الأكبر من ضحاياها نساء.
وقال مصدر قضائي في محافظة بابل، إن ستة أشخاص “وضعوا حدا لحياتهم خلال شهر واحد، وهو تشرين الأول (أكتوبر) 2022؛ وتراوحت أعمارهم بين 14–61 عاما، واستُعملت طرق مختلفة لإزهاق الأنفس، أغلبها من خلال الشنق… أصغر الضحايا شنق نفسه بواسطة حبل ملابس، بينما كانت الضحية امرأة في حالتين”، وفقاً لوكالة أنباء العالم العربي.
ومع تنامي ظاهرة في العراق خلال الأعوام السبعة الماضية بنسبة تصل إلى 175% اضطرت الحكومة العراقية يوم الثلاثاء الماضي إلى إقرار الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار 2023-2030، دون أن تفصح عن تفاصيل تلك الاستراتيجية أو توضح معالمها.
الأسباب
من جانبه، أرجع خالد المحنا، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، زيادة معدلات الانتحار إلى الكثافة السكانية والوضع الاقتصادي والبطالة، فضلا عن العنف الأسري والابتزاز الإلكتروني.
أما العقيد عمار عجم، مسؤول قسم الشرطة المجتمعية في واسط، فأرجع معظم الحالات إلى إدمان المخدرات والتفكك الأسري، بالإضافة إلى البطالة والفقر؛ وقال في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي إن هذه الأمور “هي أساس المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تعاني منها المحافظة، وتسعى الشرطة المجتمعية إلى حلها”.
ويرى مهدي عبد الكريم، المتخصص في الطب النفسي، أن “العامل النفسي أحد عوامل الإقدام على الانتحار، إن لم يكن السبب الرئيسي لهذه المشكلة، وكذلك إهمال معالجة حالات الاكتئاب التي يتجاهل الكثير من الناس تشخيصها بشكل مبكر أو المضي في علاجها في حال تم تشخيصها لدى المصابين بها”.
هشاشة نفسية
إلى ذلك أشارت منظمة الصحة العالمية، التي أحيت في العاشر من سبتمبر أيلول الجاري اليوم العالمي للحد من الانتحار، إلى أن واحدا من بين كل أربعة عراقيين يعاني هشاشة نفسية، في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، مقارنة مع 209 أطباء لكل مليون شخص في بلد كفرنسا مثلا.
وبحسب المنظمة، فإن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، على الرغم من حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.
ومر العراق بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة بعد أربعة عقود شهدت حروبا خارجية وتجاذبات في الداخل وعقوبات دولية أعقبت غزو الكويت عام 1990، قبل أن تغزو الولايات المتحدة البلاد عام 2003 ويُفتح الباب أمام سنوات طويلة من الصراعات الداخلية.