قالت ثلاثة مصادر عسكرية ومصدر في المخابرات إن الآلاف من الذين عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير ولديهم صلات بالتيار الإسلامي الذي ينتمي إليه يقاتلون إلى جانب الجيش في الصراع السوداني، مما يعقد جهود إنهاء إراقة الدماء.
ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع قتالا في الخرطوم ودارفور وغيرهما منذ 10 أسابيع في ثالث أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة مما دفع 2.5 مليون إلى النزوح. كما تسبب الصراع في أزمة إنسانية ويهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة. وقد تؤدي التعزيزات التي يتلقاها كل جانب إلى تأجيج الصراع.
وينفى الجيش منذ فترة طويلة اتهامات خصومه في قوات الدعم السريع بأنه يعتمد على الموالين للبشير الذين فقدوا مصداقيتهم. وأطيح بالرئيس السابق في انتفاضة شعبية عام 2019.
وقال مسؤول بالجيش ردا على سؤال من رويترز “الجيش السوداني لا علاقة له بأي حزب سياسي أو أيديولوجية. إنه مؤسسة محترفة”.
ومع ذلك، قالت المصادر العسكرية الثلاثة ومصدر المخابرات إن آلاف الإسلاميين يقاتلون في صف الجيش.
وقال مسؤول عسكري مطلع على عمليات الجيش، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “نحو ستة آلاف عنصر من المخابرات انضموا إلى الجيش قبل الصراع بعدة أسابيع”.
وأضاف “إنهم يقاتلون من أجل إنقاذ البلاد”.
وأكد هذه الأرقام مسؤولون سابقون في جهاز الأمن والمخابرات الوطني المنحل، وكان مؤسسة قوية تألفت بشكل أساسي من الإسلاميين.
وقد تؤدي عودة الإسلاميين إلى تعقيد أسلوب تعامل القوى الإقليمية مع الجيش وإعاقة أي تحرك نحو الحكم المدني. كما أنها قد تزج بالبلاد، التي استضافت ذات يوم مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في نهاية المطاف إلى المزيد من الصراعات الداخلية والعزلة الدولية.
ومن أجل هذا المقال، تحدثت رويترز إلى عشرة مصادر من بينها مصادر عسكرية ومخابراتية وعدد من الإسلاميين.
وفي تطور يدل على انخراط الإسلاميين في الصراع، قتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في الحركة الإسلامية محمد الفضل هذا الشهر في اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش، بحسب أقارب له وإسلاميين أفادوا بأنه كان يقاتل في صفوف الجيش.
وأصدر علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية بيانا نعى في الفضل.
* “هويتنا وديننا”
قال إسلامي انضم لصفوف الجيش “نقاتل إلى جانب الجيش وندعمه لحماية بلادنا من التدخل الخارجي وللحفاظ على هويتنا وديننا”.
فيما قال حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم السابق بزعامة البشير، في بيان إنه لا علاقة له بالقتال وإنه يدعم الجيش سياسيا فقط.
واتهم الجيش قوات الدعم السريع بمنح مناصب عليا في صفوفها للإسلاميين والموالين للنظام السابق، وهو ما نفته القوات شبه العسكرية. كما نفى قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي يرى المحللون أنه رجل عسكري لا يتبع أي أيديولوجية، الاتهامات بأن الإسلاميين يساعدون قواته.
والجيش، الذي كان يضم العديد من الضباط المنتمين للتيار الإسلامي في عهد البشير، قوة مهيمنة في السودان على مدى عقود ونفذ انقلابات وخاض حروبا داخلية واستحوذ على موارد اقتصادية.
لكن بعد الإطاحة بالبشير، بنى البرهان علاقات جيدة مع الدول المعارضة للتيارات الإسلامية في المنطقة، لا سيما الإمارات والسعودية ومصر. وقدمت دول خليجية مساعدات كبيرة للخرطوم.
وحاليا، يساعد الضباط السابقون في جهاز الأمن والمخابرات الوطني الجيش أيضا من خلال جمع المعلومات المخابراتية عن أعدائه في أحدث صراع دائر.
وبعد الإطاحة بالبشير، حل جهاز المخابرات العامة محل جهاز الأمن والمخابرات وجرى تفكيك هيئة العمليات المسلحة، وفقا لاتفاق دستوري.
وقال مصدر بالجيش وآخر بالمخابرات إن معظم أعضاء هيئة العمليات انحازوا للجيش، لكن بعض الأعضاء السابقين والإسلاميين الذين كانوا يعملون لصالح البشير انضموا إلى صفوف قوات الدعم السريع.
وقال مسؤول في المخابرات العامة “نعمل في ظل ظروف صعبة على الأرض لدعم الجيش خاصة فيما يتعلق بالمعلومات عن قوات الدعم السريع وانتشارها”.
* قادة مخضرمون من عهد البشير
يتفوق الجيش على قوات الدعم السريع من حيث العدد في عموم البلاد، لكن محللين يقولون إن قدراته محدودة في قتال الشوارع لأنه أسند مهام الحرب في المناطق النائية قبل ذلك إلى الميليشيات. وكان من بين تلك الميليشيات الجنجويد التي ساعدت في سحق تمرد في دارفور قبل أن تتطور لتنبثق منها قوات الدعم السريع.
وسيطرت وحدات قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من الخرطوم، وسيطرت هذا الأسبوع على القاعدة الرئيسية لشرطة الاحتياط المركزية، وهي قوة نشرها الجيش لتخوض قتالا بريا بالعاصمة. واستولت قوات الدعم السريع على كميات كبيرة من الأسلحة.
لكن الجيش الذي اعتمد بشكل أساسي على الضربات الجوية والمدفعية الثقيلة يمكن أن يستفيد من مهارات جهاز المخابرات العامة في جمع المعلومات الاستخباراتية، وهي مهارات تم صقلها على مدى عقود، في مساعيه لاجتثاث قوات الدعم السريع.
وفي السابع من يونيو حزيران اندلع حريق في مقر المخابرات في منطقة قتال بوسط الخرطوم. وتبادل طرفا الصراع الاتهامات بمهاجمة المبنى.
وبعد أن نفذ البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، معا انقلابا في عام 2021 أدى إلى تعطيل الانتقال إلى الديمقراطية، قال حميدتي إن الخطوة كانت خطأ وحذر من أنها ستشجع الإسلاميين على السعي إلى السلطة.
ورأت السعودية والإمارات، اللتان تتمتعان بثقل إقليمي كبير، أن انتقال السودان إلى الديمقراطية وسيلة لمواجهة النفوذ الإسلامي في المنطقة الذي تعتبرانه تهديدا.
وأكد الجيش علنا ولاءه للانتفاضة التي أطاحت بالبشير في عام 2019.
لكن بعد أن نفذ الجيش انقلابا في عام 2021 أدى إلى تجدد الاحتجاجات في الشوارع، اعتمد على قادة مخضرمين من عهد البشير لتسيير أمور البلاد. وتم حل لجنة كانت تضطلع بتفكيك النظام الحاكم السابق.
وقبل اندلاع أعمال العنف، كان أنصار البشير يعارضون خطة لإجراء انتخابات في ظل حكومة مدنية. وأدت الخلافات حول التسلسل القيادي وهيكلة الجيش بموجب الخطة إلى اندلاع القتال.
وبعد مرور نحو أسبوع على اندلاع القتال في أبريل نيسان، أظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي نحو عشرة من مسؤولي المخابرات السابقين يرتدون زي الجيش ويعلنون أنهم من قوات الاحتياط.
ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة مقطع الفيديو بشكل مستقل.
وغادر عدد من أنصار البشير البارزين السجن في بحري، المقابلة لوسط الخرطوم على الضفة الأخرى من النيل، في أثناء عمليات هروب أوسع من السجون وسط القتال في أواخر أبريل نيسان. ولا تزال ملابسات مغادرتهم السجن غير واضحة. ويتلقى البشير العلاج في مستشفى عسكري.