أعاد تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا فتح ملف المهاجرين غير الشرعيين في البلاد ، وكيفية التعامل معهم ، وسط مطالب حقوقية بالتحقيق السريع في الانتهاكات التي احتوتها ، والمتعلقة بارتكاب ” جرائم ضد الإنسانية.”
وكانت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا قد صرحت مساء أمس أن تحقيقاتها خلال الفترة الماضية في ليبيا أظهرت “جهوداً مكثفة تبذلها السلطات المحلية لقمع المعارضة ، كما وثقت عدداً من حالات الإعتقال التعسفي والقتل و الإغتصاب والإستعباد خارج نطاق القضاء “. والاختفاء القسري للمهاجرين.
وقال طارق لملوم، الحقوقي الليبي، رئيس منظمة «بلادي لحقوق الإنسان»، إن تقرير البعثة «أعطى توصيفاً حقيقياً لما يحدث في ليبيا؛ وأن ما يحدث من انتهاكات بحق الليبيين والمهاجرين وطالبي اللجوء هي جرائم ضد الإنسانية»، لافتاً إلى أنه «كان هناك سعي حقيقي لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في ليبيا طوال الفترة الماضية لتبيان هذا الأمر، ومحاولة التغيير والضغط في الداخل لمنع هذه الانتهاكات».
وتحدث لملوم إلى «الشرق الأوسط» عن «التضييق» الذي مارسته حكومة «الوحدة» المؤقتة على بعثة تقصي الحقائق، وقال إنها «لم تسمح لها بزيارة السجون، معتبراً هذا الإجراء «أمراً صادماً جداً».
وأوضح لملوم أنه عندما تم إقرار اللجنة من مجلس حقوق الإنسان عام 2020، اعترضت شريحة كبيرة من النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان على تحديد الفترة الزمنية التي ستعمل عليها البعثة من عام 2016، وتساءلوا: لماذا لم تعمل البعثة على مجمل الفترة السابقة؟. ورأى أن ما حدث بعد هذا التاريخ «كان مشابهاً لكل الأحداث التي مرت على ليبيا، سواء خلال العشرة أعوام الماضية، أو ما قبلها»، وذهب لملوم إلى أن «الجديد في هذا التقرير هو تأكيده وجود أركان لجريمة الاستعباد في ليبيا لهذه الفئة، ويبدو أن هناك أدلة دامغة جمعتها لجنة تقصي الحقائق في مدينتي صبراتة وبني وليد».
وأشارت اللجنة إلى امتلاكها «أدلة دامغة تؤكد تعرض مهاجرين غير نظاميين لتعذيب منهجي»، بينما أفاد التقرير بأن «ثمة أسباباً معقولة للاعتقاد بأن الاستعباد الجنسي ارتُكب ضد المهاجرين».
وكان محمد أوجار، رئيس البعثة، قد تحدث خلال مؤتمر صحافي بجنيف، عن إعداد «قائمة بالأفراد الذين يُزعم مسؤوليتهم عن الانتهاكات والتجاوزات الموثَّقة»، وقال إنه سيتم إيداعها لدى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان «كجزء من الأدلة». ورأى أوجار أن «هناك حاجة ملحة للمساءلة لإنهاء هذا الإفلات من العقاب المتفشي»؛ داعياً السلطات الليبية إلى «وضع خطة عمل لحقوق الإنسان، وخريطة طريق شاملة تركز على الضحايا لتحقيق العدالة الانتقالية دون تأخير، ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان».
وسبق أن أشارت تقارير جمعيات حقوقية إلى وقوع انتهاكات واسعة بحق المهاجرين والليبيين أيضاً، وقالت منظمة «رصد الجرائم في ليبيا» إنها رصد خلال 4 سنوات 2447 انتهاكاً.
وأشار التقرير إلى تسجيل «ممارسات وأنماط انتهاكات جسيمة بلا انقطاع؛ لكن لا يوجد دليل يُذكر على اتخاذ خطوات مُجدية للحد من هذا المسار المثير للقلق، وإنصاف الضحايا». ولذلك شدد على أن الحكومة الليبية ملزمة بالتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرتها وفقاً للمعايير الدولية.
وانتهى لملوم معبراً عن صدمته بعدما أعلنت بعثة تقصي الحقائق أن لديها أدلة «تؤكد تورط أجهزة تابعة للحكومة الليبية مع كثير من المهربين»، وهو ما اعتبره «أمراً يستحق التحقيق فوراً».
ومن بين الانتهاكات ما لفت إليه التقرير من أن «تهريب المهاجرين المستضعفين، واستعبادهم، وعملهم القسري، وسجنهم، وابتزازهم، بات يدرّ عائدات كبيرة على الأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ويحفز على استمرار المتاجرة بهم».كما أن ثمة أسباباً معقولة للاعتقاد بتعرض المهاجرين للاستعباد في مراكز احتجاز رسمية، وفي «سجون سرية»، فضلاً عن ارتكاب الاغتصاب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، وفقاً للبعثة.
من جهته، اعتبر أحمد عبد الحكيم حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أن ما تضمنه التقرير «ما هو إلا نسبة قليلة من الكم الهائل، والسجل الطويل والمروع لانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في ليبيا». وقال إن ما يحدث من انتهاكات «يفرض على السلطات الليبية العمل على اتخاذ خطوات جادة وحاسمة لتعزيز سيادة القانون والعدالة، وإنهاء الإفلات من العقاب، وضمان حقوق الضحايا والمتضررين»، مشدداً على ضرورة أخذ السلطات بالتوصيات الختامية للتقرير لمعالجة هذه الانتهاكات الجسيمة.
وكانت البعثة قد دعت مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة مُزوَّدة بموارد كافية. كما دعتْ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من أجل إنشاء آلية منفصلة ومستقلة بولاية مستمرة، لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا، والإبلاغ عنها «في سبيل دعم جهود المصالحة الليبية، ومساعدة السلطات الليبية على تحقيق العدالة الإنتقالية والمساءلة».