أثارت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول إصدار قانون الأحوال الشخصية جدلاً حول موقف الأزهر من الطلاق الشفهي. وقد رفض الأزهر المقترح الذي يتضمن الإعتراف بالطلاق الموثق فقط، وأعرب عن دعمه لتوثيق الطلاق مع الإعتراف بالطلاق الشفهي وفقاً للضوابط الشرعية. وما زالت هذه المسألة مثار جدل في المجتمع المصري.
لم يتم الحصول على تعليق رسمي من الرئاسة المصرية حول موقفها من قضية توثيق الطلاق وعلاقتها بمشيخة الأزهر. وفي هذا الصدد، صرح مصدر مسؤول بمشيخة الأزهر بأن المشيخة تؤكد موقفها الثابت بشأن توثيق الطلاق. ويتباين رأي الخبراء حول مدى تأثر العلاقة بين الرئاسة والأزهر بالإستقطاب السياسي، ويشير بعضهم إلى وجود مخرج من الوضع الحالي، فيما يشير آخرون إلى وجود خلاف حقيقي قد يصل إلى الصدام.
تشير المادة 7 من الدستور المصري إلى أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة وهي المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية في مصر. وتنص المادة أيضًا على أن شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، ويتم اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء وفقًا للقانون المنظم للأزهر. ومن خلال هذه المادة، يتم تأكيد أهمية الأزهر في الحياة الدينية والثقافية في مصر وكذلك دور شيخ الأزهر في قيادة المؤسسة وتوجيهها.
موقف الأزهر ثابت والتقدير مستقر
بحسب تصريحات مصادر مسؤولة بمشيخة الأزهر تؤكد أن الأزهر هو مؤسسة وطنية ضمن مؤسسات الدولة المصرية، وأنه سيشارك في أي نقاشات مطروحة وسيعلن رأيه في حينه. وتشير تلك المصادر إلى أن الأزهر قد حسم الأمر بشأن توثيق الطلاق الشفوي وإصدار قانون يعاقب المخالفين، وأن علماء الأزهر في مختلف هيئاتهم لا يفهمون سبب الإصرار على الإعتراف بالطلاق الموثق فقط، وتجاهل حكم وقوعه شفهيا. ويعتبر الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية.
ويتوقع المصدر ألا تغير مشيخة الأزهر رأيها في القضية، قائلا “هذه مسألة دينية بحتة، وإن صدر قانون مخالف لأسس الشرع في الطلاق، فمن أصدره مسؤول عن ذلك أمام الله، والأزهر لن يوافق عليه”.
مرونة المشيخة وحكمة الدولة
يرى الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية خيري عمر، أن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ومشيخة الأزهر يتم تناولها بأكثر مما تحتمل، مفسرا ذلك بتأثير الإستقطاب والإصطفاف السياسي، مشيرا إلى أن المواقف بين المؤسستين تأتي في إطار النقاش وعرض الرؤى والتشاور حولها.
ويقول عمر إنه من المستغرب أن يتم بناء مواقف على صورة جزئية ناتجة عن تأويل المشاركة في احتفال ديني، ويتم البناء عليها دون بحث أي موضوع من جوانبه المختلفة، وهي في غالبها اجتهادات فردية يتم إشاعتها عبر وسائل تواصل اجتماعي مجانية وغير مُكلفة أو بعضٍ من الإعلام الخاص، مضيفا “وكثيرا ما فقدت هذه الحملات بريقها في أوقات سابقة، رغم إثارتها منذ سنوات”.
ويعتقد أن الدولة لا ترغب في التهوين من شأن الأزهر، ولذلك استمرت في طرح مشروع قانون الأسرة لسنوات للتشاور بين المؤسسات المعنية وأتاحت الفرصة لمشاركتها على قدم المساواة، مؤكدا أن مثل هذه الأمور تظل معالجتها في إطار الجهات المختصة دون إثارتها وتحميلها أعباء أخرى واستغلالها سياسيا.
ولفت إلى أن بقاء مشروع القانون قيد النظر لسنوات يشير إلى إمكانية الوصول لصيغة مناسبة حول أي أمور عالقة أو متوترة داخل أطر الدولة، خاصة أن مشيخة الأزهر لديها مرونة وحكمة كبيرة لتجنب أي صدامات محتملة أو مرغوبة من البعض، متوقعا إمكانية الخروج من اختلاف وجهتي النظر بتكييف الطلاق الشفوي ووضع معايير لثبوته ثم توثيقه رسميا، فالاختلاف هنا لا يتعلق بالإرادة في حل عقدة الزواج، بقدر ما هي عملية تنظيمية لضمان الحقوق وضبط المسؤوليات، وفق اعتقاده.
مواجهة محتملة
في المقابل، يرى الأستاذ بجامعة الأزهر ووكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق جمال عبد الستار، أن السلطة تصر على إلغاء استقلال الأزهر وشيخه، ودفع الطيب للإبتعاد تماما عن المشهد بإرادته تحت وقع الضغوط أو التنازل الكامل عن استقلاله ودفاعه عن ثوابت الشرع، وفق رأيه، الذي عادة ما تنفيه السلطات المصرية مرارا وتكرارا، مؤكدة حرصها على استقلال الأزهر.
و يضيف عبد الستار أن احتمالات المواجهة والصدام باتت أقرب، مع الحديث عن إلغاء الطلاق الشفوي، بعد أن مدت كل من السلطة ومشيخة الأزهر في أمد البقاء دون حسم للمواقف بينهما.
واعتبر أن ما عرقل أي قرار سلبي تجاه الطيب حتى الآن، هو مكانة شيخ الأزهر بين المسلمين على مستوى العالم ورمزية منصبه الدولية، وحساسية التغيير في منصبه المحصن دستوريا.
إشادة وعتاب وهجوم
وحظي الإمام الأكبر بإشادة رئاسية في وقت سابق، كما نال عتابا من الرئيس المصري وهجوما إعلاميا من المحسوبين على السلطات في أوقات سابقة.
وحرص السيسي على الإشادة بجهود الأزهر والإمام الأكبر في أكثر من مناسبة، ومنها إصدار الأزهر مشروع قانون الأحوال الشخصية في 2019، وجهد المشيخة في تعزيز الحضور المصري والدعوي الإسلامي في دولة مثل أوزبكستان في فبراير/شباط الماضي.
لكن تظل أبرز العبارات التي وردت على لسان السيسي، عتابه الشهير قبل 6 سنوات لشيخ الأزهر على الهواء مباشرة، قائلا “تعبتني يا فضيلة الإمام”، بعد رفض الأخير توثيق الطلاق وإلغاء الطلاق الشفوي.
وفي عام 2018 تابع المصريون مبارزة كلامية غير مباشرة بين السيسي والطيب حول السنة النبوية والتراث الإسلامي التي انحاز لها الطيب، بينما بدا أن السيسي يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.
كما تعرض شيخ الأزهر إلى هجوم واسع من الإعلاميين المحسوبين على الدولة أكثر من مرة في السنوات السابقة خاصة في عام 2017، وطالب الإعلامي المقرب من السلطة محمد الباز، باستقالة الإمام الأكبر من منصبه حتى “يريح ويستريح”، وفق تعبيره.
ويرجع البعض توتر علاقة شيخ الأزهر مع السلطات إلى صيف عام 2013 عندما أصدر الطيب بيانا صوتيا عقب فض إعتصامي رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس/آب المؤيد للرئيس الراحل محمد مرسي، أكد فيه عدم علمه بقرار الفض، ومشددا على حرمة الدماء، وأن هناك مفاوضات كادت تنجح لحل الأزمة.