لبنان،إنعكاسات خطيرة لتدهور الليرة مقابل الدولار

0 151

تفهم لين بشكل واضح المشاعر السلبية التي تشعر بها وتعرف جيدًا أنها ليست وحدها في هذه المشكلة. ترددت لين في العمل لمدة لا تقل عن 10 ساعات يوميًا براتب زهيد، بينما يشتري الزبائن بضائعهم بمبالغ أعلى بكثير في دقائق قليلة. لكن، لين تدرك أيضاً أنها بحاجة إلى العمل لتكسب رزقها.

تخفف لين من إحباطها بتفكير إيجابي والتركيز على الأمور التي يمكنها التحكم فيها، مثل الخدمة الجيدة التي تقدمها للزبائن والتي يمكن أن تساعدها على زيادة عائدات المتجر. كما يمكنها أيضًا تحسين مهاراتها ومعرفتها بالمنتجات لتكون موظفة أفضل وأكثر فعالية، وبالتالي قد يتم ترقيتها وزيادة راتبها في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، يجب أن تبحث لين عن فرص أخرى لزيادة دخلها، مثل العمل الإضافي في وقت فراغها أو البحث عن وظيفة أخرى تقدم راتبًا أفضل. كما يمكنها التحدث إلى مدير المتجر لبحث إمكانية زيادة راتبها أو إدارة ساعات عملها بشكل يتناسب مع قيمة عملها.

أحداث متسارعة

لقد شهدت الأيام الأخيرة تدهوراً خطيراً في قيمة الليرة اللبنانية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار بنحو 30% خلال 48 ساعة الماضية من 110 آلاف ليرة إلى 145 ألفاً. ولكن بعد ذلك، ارتفعت الليرة بنسبة 25% من هذا الانخفاض، مما أدى إلى استقرار سعر صرف الدولار عند حوالي 108 ألف ليرة، بعد قرار حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بيع الدولار وزيادة سعر صرف الليرة المعتمد في المصارف.

وضمن هذا الصعود والهبوط بهامش 40 ألفا في ساعات قليلة، برر حاكم المركزي تدخله “بالحدّ من ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية والمحافظة على قيمة الودائع بالدولار المحلي”.

لكن مفعول تدخل المركزي المعهود مع كل قفزة كبيرة لسعر صرف الدولار، وفق خبراء، محدود ولأيام قليلة فقط، قبل أن تسلك الليرة طريق هبوطها مجددا.

وأثار تعميم المركزي قلقا كبيرا إزاء رفع دولار منصة صيرفة، الذي تسبب بارتفاع أسعار بطاقات شحن رصيد الهواتف وتعرفة الكهرباء.

وعشية الدعوة لتحركات شعبية في وسط بيروت، الأربعاء، تزامنا مع عقد جلسة للجان البرلمانية، أعلنت أيضا جمعية المصارف مساء الثلاثاء تعليق إضرابها اعتراضا على الملاحقات القضائية للمصارف، وعللت تراجعها بتسيير شؤون الناس في رمضان وتجاوبا مع الإتصالات الجارية معها.

وانعكست هذه الإضطرابات الحادة بتقلبات الليرة والقرارات المرافقة لها فوضى بالأسواق خصوصا في الأطراف والمناطق الشعبية حيث يبلغ الفقر ذروة غير مسبوقة، وسط عجز الناس عن توفير أبسط حاجاتهم.

وسجلت بعض المناطق تحركات متفرقة وقطعا للطرقات، مع تلويح محطات المحروقات وشركات توزيع الغاز بتوجهها قريبا لفرض تقاضي مستحقاتها من الزبائن بالدولار، وأقفلت بعض الصيدليات، ورفضت بعض متاجر السوبرماركت تقاضي أي مبلغ بغير الدولار، بذريعة تجنب الخسائر.

مشاهدات الأسواق

وحسب الأسعار في الأسواق، فمن توجه للسوق لشراء أساسيات سلة غذائية لأسرته لعدة أيام فهو يحتاج ما لا يقل عن مليون و500 ألف ليرة إذا أراد شراء التالي فقط: ربطة خبز (50 ألفا)، كيلو لحم (مليون و200 ألف)، كيلو أرز (100 ألف)، كيلو بطاطا (50 ألفا)، كيلو بندورة (50 ألفا) وكيلو لبن (100 ألف).

وهذا المبلغ (مليون و500 ألف) الذي يعجز عن توفيره مواطن فقير، وسط اتساع رقعة البطالة وعدم الشروع بتصحيح جذري للرواتب، كان يعادل قبل الأزمة نحو ألف دولار، ويبلغ اليوم أقل من 13 دولارا، بينما لا يتجاوز معدل دخل عامل مياوم 1.5 دولار، أما راتب الموظف الذي كان يشكل شريان الطبقة الوسطى فقد تدهورت قيمته إلى نحو 50 دولارا.

وعلى طول سوقي الخضار والعطارين في طرابلس يتدافع المئات ذهابا وإيابا بين عربات باعة الخضار واللحوم والدواجن، والحزن والقلق على وجوه الناس المذهولة من هول تضخم ارتفاع الأسعار.

تداعيات وتحذيرات

إقتصاديا، يرى الخبير الإقتصادي والمالي إيلي يشوعي أن تدخلات المركزي وتراجع المصارف عن الإضراب عوامل لن تلجم تقلبات الدولار لاحقا، متوقعا أن يسجل سعر صرف الدولار قفزات لا سقف لها.

ويقول إن السبب الرئيس يكمن في طبع المركزي لأوراق الليرة بلا حساب، موضحا أن طبع النقد يخضع عادة لمعايير معينة لكي يكتسب المال أعلى قيمة ممكنة، وحتى لا يتسبب في التضخم، نتيجة زيادته بالتداول.

ويرى يشوعي أن اللبناني يدفع ثمن مراكمة المركزي للديون على الدولة التي تستعمل الليرات المطبوعة لتسديد مساعدات لا قيمة لها لموظفي القطاع العام، وتمويل نفقاتها التشغيلية.

ويذكر أن الكتلة النقدية المطروحة للتداول بالسوق حاليا بلغت نحو 90 ألف مليار ليرة بينما لم تتجاوز 7 آلاف مليار ليرة في بداية 2019، وهذه الفجوة الضخمة بين الكتلة النقدية بالليرة وشح الكتلة النقدية بالدولار تعزز تدهور الليرة إلى ما لانهاية.

ويجد الخبير أن المستفيد من التقلبات هم المضاربون والتجار والمستوردون المستفيدون من منصة “صيرفة” على حساب عامة الشعب.

من جانبه، يقول رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي اللبناني شارل عربيد إن التقلبات بقيمة العملة الوطنية هي عدوة الإقتصاد، وإن الواقع الكارثي لليرة ينعكس أولا على قيمة الأجور، لأن تدهور سعر الصرف يسبق أي عملية تفاوضية لتصحيح الأجور بين العمال وأصحاب العمل.

ويجد عربيد أن انسداد أفق الحلول سياسيا واقتصاديا وغياب المعالجات فاقم الفوضى والركود في مختلف القطاعات اللبنانية، ويدعو إلى ضرورة صوغ تفاهمات مرنة بين العمال وأصحاب العمل، تفاديا لتداعيات الكارثة الإجتماعية، والمتضرر الأول هم الموظفون بالقطاعين العام والخاص بعدما تكرست “الدولرة” الشاملة في لبنان، أما المتضرر الثاني “فهو المودع الذي تتفاقم خسائره بقيمة أمواله المحتجزة لدى المصارف”.

ويحذر الخبير من انفجار اجتماعي وشيك ما زالت تمنعه تحويلات المغتربين لأسرهم، لكنها ستصبح غير كافية لاحقا، حسب قوله، إذا تفاقمت الحالة التضخمية وبلغت الليرة بهبوطها دركا لا قعر له.

You might also like