تونس تحتاج لاتفاق مع صندوق النقد الدولس لتفادي انهيار اقتصادي

0 45

يتوالى الحديث من كبار المسؤولين في أوروبا وأمريكا حول الحاجة العاجلة لتونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتفادي احتمال انهيار إقتصادي، في حين ينفي خبراء احتمالية الانهيار ويتوقعون إبرام اتفاق في المستقبل القريب. وبينما حذر وزير الخارجية الأميركي من التوجه نحو المجهول، فإن تونس تحتاج بشكل عاجل للتوصل إلى اتفاق مع الصندوق للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، والذي لم يتم تنفيذه بعد بالرغم من اتفاق مبدئي. وتواجه تونس تحديات اقتصادية كبيرة بسبب تفشي فيروس كورونا وتراجع النمو الاقتصادي.

يأتي تصريح المسؤول الأميركي عقب تحذير المسؤول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي -في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد ببروكسل الاثنين الماضي- من أن تونس تسير نحو انهيار ينذر بتدفق المهاجرين للاتحاد الأوروبي، مستبعدا مساعدتها إذا لم توقع اتفاقا مع الصندوق النقد.

لكن تونس لا تقف وحيدة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، إذ يطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بضرورة دعم تونس، وسط ما تواجهه من أوضاع اقتصادية ومالية صعبة وتصاعد لوتيرة الهجرة غير النظامية نحوها.

مبالغة كبرى
وحول إمكانية انهيار اقتصاد تونس إذا لم توقع اتفاقا مع صندوق النقد، علّق وزير التجارة السابق والخبير محسن حسن على التصريحات المتواترة أن هناك “مبالغة كبرى” في توصيف الوضعية المالية لتونس، مقرا بصعوبة الوضع التونسي وتعثره، لكن “ليس لدرجة الوصول لمرحلة الانهيار”.

ويقول للجزيرة نت إن تونس تعاني استمرار تداعيات كورونا، وضغوطات تضخمية أفرزتها الحرب الأوكرانية، وتباطؤ النمو، وتراجع الصادرات لأوروبا، وارتفاع أسعار المواد الفلاحية جراء الجفاف، وارتفاع أسعار المحروقات جراء العجز الطاقة، وتراجع الإنتاج، وارتفاع البطالة والفقر.

وكل تلك الصعوبات تولد ضغطا كبيرا على ميزان المدفوعات وتسلط ضغوطا أكبر على حاجة تونس للاقتراض، لكن بالرغم من ذلك، فإن الوضع المتعثر لا يختلف عن أوضاع دول أوروبية عدة، حسب ما يؤكد وزير التجارة السابق مستبعدا فرضية انهيارها حتى وإن لم تحصل على قرض من صندوق النقد الدولي.

ويؤكد حسن أن المؤسسات المانحة -ومن بينها صندوق النقد- تمارس “إذلالا” للدول التي تواجه صعوبات مالية، وتعتمد على سياسة “الكيل بمكيالين”، وذلك بمنحها القروض بناء على الارتباطات السياسية، في إشارة إلى موافقة صندوق النقد على قرض بقيمة 15.6 مليار دولار لفائدة أوكرانيا.

لكنه في المقابل يترقب حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ظل وجود ضغوط تمارسها بعض الدول الأوروبية -خاصة فرنسا وإيطاليا- لتجنب حدوث تدفق للمهاجرين، مؤكدا أيضا أن تونس قدمت لصندوق النقد ملفا استكمل الشروط الفنية المطلوبة من حيث برنامج الإصلاحات الاقتصادية.

وإذا لم تحصل تونس على القرض من الصندوق، يقر حسن بأن الوضع سيكون دقيقا وستجبر فيه الدولة على اللجوء لمزيد من الاقتراض الداخلي وخفض مشاريع التنمية، وستواجه فيه صعوبة لتمويل شراءاتها من المواد الأساسية والأدوية والمحروقات وضمان تسديد مستحقات ديونها الخارجية بالعملة.

حلول بديلة
وفي شأن متصل، يقول وزير التجارة السابق والخبير محسن حسن إن صلابة تونس الاقتصادية لا ترتبط بمجرد اتفاق مع صندوق النقد لأن لديها حلولا بديلة أخرى، منها الترفيع في صادرات الفوسفات أو إصدار قرض رقاعي (اكتتاب وطني) بالعملة موجه للتونسيين المقيمين بالخارج أو تطوير المداخيل السياحية أو تأهيل القطاع الفلاحي لتحقيق الأمن الغذائي وغيرها.

وحتى في صورة حصول اتفاق مع صندوق النقد، يؤكد حسن أن القرض بقيمة 1.9 مليار دولار سيمنح على أقساط عدة طيلة 4 سنوات، ولن يفي بمتطلبات الدولة، لكنه سيفتح الباب أمام تونس للاقتراض الخارجي وإبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع مؤسسات مانحة أخرى.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن مرور تونس بصعوبات اقتصادية لا يعني أنها منهارة، معتبرا أن إصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية لا يزال ممكنا إذا توفرت الإرادة السياسية، لكنه سيكون إصلاحا مكلفا بسبب تباطؤ عملية الإصلاح منذ سنة 2011 بسبب التركيز المفرط على الجاب السياسي.

اقتراض صعب
ووسط غياب اتفاق مع صندوق النقد وعدم النظر في ملف تونس هذا الشهر وتراجع مخزونها من العملة الصعبة، يرى سعيدان -في حديثه للجزيرة نت- أن تونس تعيش صعوبات مالية خانقة، مؤكدا أن خفض التصنيف السيادي لتونس للمرة العاشرة ولأدنى مستوياته منذ 2011 يجعلها غير قادرة على الاقتراض من الخارج.

وحول سبب عدم موافقة الصندوق على إقراض تونس رغم وجود اتفاق مبدئي يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقول سعيدان إن الصندوق يعتبر مقرض الملاذ الأخير للدول، موضحا أن هناك مشكلة تتعلق بالمصداقية مع السلطة الحالية حول قدرتها فعلا على القيام بالإصلاحات الضرورية من الناحية الاقتصادية والمالية.

ويقول سعيدان إن صندوق النقد رفض الملف التونسي بسبب عدم تمكن الحكومة من تعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل موازنة سنة 2023 وتمويل برنامج الإصلاحات الاقتصادية وعدم صدور قانون حكومة المؤسسات العمومية وعدم توقيع الرئيس على قانون المالية لسنة 2023 قبل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

سياسة الحذر
ووفق تأكيده، لا يمول صندوق النقد برنامج الإصلاحات الاقتصادية بمفرده، وإنما اشترط على الدولة تعبئة موارد مالية إضافية لتغطية نفقات موازنة 2023 وتمويل برامج الإصلاحات للتأكد من قدرتها على القيام بها.

وذكّر سعيدان بتوصل تونس عامي 2013 و2016 إلى اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي مقابل تعهد الحكومات المتعاقبة بالقيام بتنفيذ برنامج إصلاحات، لكن تلك الإصلاحات لم يقع إنجازها، مما جعل صندوق النقد الدولي يعاقب تونس بحرمانها من بعض أقساط تلك القروض، حسب ما صرح به الخبير.

ومضى قائلا إن “الصندوق يسعى إلى التأكد من أن هذا القرض سيمكن تونس من الخروج من الأزمة، وإذا لم يكن هذا مضمونا، فما الفائدة منه؟”.

مع العلم أن عدم حصول تونس على قرض صندوق النقد سيؤثر بشكل سلبي على قدرتها على الحصول على قروض خارجية هذا العام بقيمة إجمالية تناهز 5 مليارات دولار.

ويمثل قرض صندوق النقد طوق نجاة لتونس لتجنب سيناريوهات تخلفها عن توريد المواد الأساسية أو سداد ديونها بشكل طبيعي، وبالتالي الذهاب إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونها، وفق سعيدان، الذي يشدد على ضرورة القيام بإصلاحات عاجلة لمواجهة الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة.

وأوضح أن إجراءات تحقيق توازن موازنة العام الجاري -وفق توجهات الحكومة الحالية- تتمثل في خفض النمو إلى 1.6%، وحصول اتفاق مع صندوق النقد والترفيع في موارد الضريبة وإقرار ترفيع دوري في أسعار المواد البترولية والكهرباء والغاز حسب تطور الأسعار العالمية وخفض نفقات الدعم الموجه للسلع الأساسية.

وتأتي تلك الإجراءات ضمن ما سمته الحكومة “البرنامج الوطني للإصلاحات” من أجل احتواء الأزمة المالية والاقتصادية، غير أن الإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) يرفض تلك الإجراءات، لأن تداعيات التخفيض في الدعم الحكومي أو التفويت في مؤسسات عمومية ستكون وخيمة على التونسيين والإقتصاد، وفق رأيه.

You might also like