يواجه الإقتصاديون والمتداولون الآن أكبر تحدي وهو التعرف على ما إذا كان وضع بنك كريدي سويس يشكل خطرًا عامًا على النظام المصرفي العالمي، وكيف ستتحرك الأسواق في الأسبوع الحاسم، خاصة مع الترقب الشديد لقرار “الفيدرالي” الأمريكي.
وقالت “أكسفورد إيكونوميكس” في مذكرة يوم الجمعة إنها لم تدمج سيناريو أزمة مالية في افتراضها الأساسي، لأن ذلك سيتطلب مشكلات نظامية في الإئتمان أو السيولة. وفي الوقت الحالي، ترى شركة الأبحاث أن المشاكل في “كريدي سويس” و”SVB” على أنها “مجموعة من القضايا الخصوصية المختلفة”.
فيما يرى كبير الإقتصاديين آدم سلاتر: “المشكلة المعممة الوحيدة التي يمكن استنتاجها في هذه المرحلة هي أن البنوك – التي طُلب منها جميعاً الإحتفاظ بمبالغ كبيرة من الديون السيادية مقابل ودائعها المتعثرة – قد تتعرض لخسائر غير محققة على تلك السندات عالية الجودة مع ارتفاع العائدات”.
نحن نعلم أنه بالنسبة لمعظم البنوك، بما في ذلك كريدي سويس، فإن التعرض لعوائد أعلى قد تم التحوط منه إلى حد كبير. لذلك، من الصعب رؤية مشكلة منهجية ما لم تكن مدفوعة بعامل آخر لم ندركه بعد”.
وعلى الرغم من ذلك، أشار سلاتر إلى أن “الخوف نفسه” يمكن أن يؤدي إلى هروب المودعين، وهذا هو السبب في أنه سيكون من الضروري للبنوك المركزية توفير السيولة.
الفيدرالي الأميركي
تحرك مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأميركي بسرعة لإنشاء مرفق جديد وحماية المودعين في أعقاب انهيار “SVB”، بينما أشار البنك الوطني السويسري إلى أنه سيواصل دعم بنك كريدي سويس، مع مشاركة استباقية أيضاً من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا.
وأعلن الفيدرالي الأميركي، يوم الخميس أن البنوك التي تعاني من نقص السيولة اقترضت حوالي 300 مليار دولار من الإحتياطي الفيدرالي في الأسبوع الماضي.
وذهب ما يقرب من نصف الأموال – 143 مليار دولار – إلى شركات قابضة لبنكين كبيرين أخفقا خلال الأسبوع الماضي، وهما بنك “سيليكون فالي”، و”سيغنيتشر”، مما أثار قلقاً واسع النطاق في الأسواق المالية. ولم يحدد بنك الإحتياطي الفيدرالي البنوك التي تلقت النصف الآخر من التمويل أو لم يذكر كم منها فعل ذلك.
وفي هذه الأثناء، ارتفعت أسهم بنك “كريدي سويس” المدرجة في الولايات المتحدة بنحو 7% في تعاملات ما بعد الإغلاق في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت، بعدما أجرى البنك الوطني السويسري و”Finma”، المؤسسة المشرفة على القطاع المالي، مفاوضات تهدف إلى تعزيز الثقة في القطاع المصرفي السويسري.
كما كانت هناك أحاديث مفادها أن أجزاء – أو كل – من كريدي سويس يمكن الحصول عليها من قبل منافسه المحلي “UBS”، الذي يبلغ رأسماله السوقي 60 مليار دولار مقابل 7 مليارات دولار لمواطنه المتعثر.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس الإدارة والشريك في شركة الإستشارات السويسرية “Porta Advisors”، بيت ويتمان، إنه يتوقع الإعلان عن الإندماج قبل افتتاح السوق يوم الإثنين، وفقاً لما ذكرته شبكة “CNBC”.
وأضاف، أنه إذا لم تنجح المفاوضات في نهاية هذا الأسبوع، فمن المتوقع أن يتعرض “كريدي سويس” لنيران بلا توقف من انخفاض أسعار الأسهم، وارتفاع أسعار مقايضات التخلف عن السداد الإئتماني، وتقليص خطوط البنوك المقابلة، وتدفقات أصول العملاء الخارجة، وتحذيرات الجهات التنظيمية الدولية في نيويورك ولندن وفرانكفورت.
فيما وصف كيان أبو حسين من “جي بي مورغان”، عملية الإستحواذ بأنها “السيناريو الأكثر ترجيحاً، لا سيما من قبل “UBS”.
وفي مذكرة يوم الخميس، قال إن البيع إلى “يو بي إس” سيؤدي على الأرجح إلى: الإكتتاب العام أو الإنقسام الفرعي لأعمال مصرف كريدي سويس لتجنب الكثير من مخاطر التركيز.
وبحسب ما ورد يعارض كلا البنكين فكرة الإرتباط الإجباري.
في غضون ذلك، أشار محللو بنك أوف أميركا يوم الخميس، إلى أن السلطات السويسرية قد تفضل الدمج بين البنك المحلي الرائد لبنك كريدي سويس وشريك إقليمي أصغر، لأن أي اندماج مع “يو بي إس” يمكن أن يخلق “بنكاً كبيراً جداً بالنسبة للبلاد”.
مطلوب “حل منظم”
من جانبه، شدد الرئيس التنفيذي لشركة “Argonaut Capital”، باري نوريس، التي لديها مركز بيعي في “كريدي سويس”، على أهمية التوصل إلى نتيجة سلسة.
وقال: “أعتقد أنه في أوروبا، ساحة المعركة هي كريدي سويس، ولكن إذا اضطر كريدي سويس إلى حل ميزانيته العمومية بطريقة غير منظمة، فإن هذه المشاكل ستنتشر إلى المؤسسات المالية الأخرى في أوروبا وخارج القطاع المصرفي أيضاً، خاصةً العقارات التجارية والأسهم الخاصة، والتي تبدو عرضة لما يحدث في الأسواق المالية في الوقت الحالي”.
الأسهم تساوي الصفر
وعلى الرغم من الإستحواذ المحتمل على “UBS”، فلا يزال نوريس يتوقع أن تصبح أسهم كريدي سويس عديمة القيمة.
وقال نوريس: “لقد كانت وجهة نظرنا هي أن UBS كان دائماً يتدخل وينقذ كريدي سويس بتشجيع من الحكومة السويسرية / البنك الوطني”.
“إذا حدث هذا، فإننا نتوقع أن يحصل أصحاب الأسهم في [كريدي سويس] على صفر، وأن أموال حاملي الودائع مضمونة، وربما لكن ليسوا متأكدين من أن حاملي السندات سيحصلون على أموالهم كاملة”.
وعانت أسهم البنوك الأوروبية من انخفاضات حادة طوال ملحمة كريدي سويس الأخيرة، مما يسلط الضوء على مخاوف السوق بشأن تأثير العدوى بالنظر إلى النطاق الهائل للمؤسسة التي يبلغ عمرها 167 عاماً.
إهتز القطاع في بداية الأسبوع الماضي بانهيار بنك وادي السيليكون، وهو أكبر فشل مصرفي منذ بنك “ليمان براذرز”، إلى جانب إغلاق بنك “سيغنيتشر” في نيويورك.
ومع ذلك، من حيث الحجم والتأثير المحتمل على الإقتصاد العالمي، فإن هذه الشركات تتضاءل مقارنةً بـ “كريدي سويس”، التي كانت ميزانيتها العمومية حوالي ضعف حجم بنك “Lehman Brothers” عندما انهار، عند حوالي 530 مليار فرنك سويسري اعتباراً من نهاية عام 2022. كما أنها أكثر ارتباطاً عالمياً، مع العديد من الشركات التابعة الدولية.
رفع الفائدة
وقد يكون الأسبوع الجاري حاسما بالنسبة للأسواق والإقتصاد العالمي، والذي بات مهدداً بصورة كبيرة من الإضطرابات.
وفي ظل أزمة البنوك الأميركية والأوروبية التي تسببت في فوضى في الأسواق العالمية، دعا بعض المديرين التنفيذيين في الصناعة المالية مجلس الإحتياطي الفيدرالي إلى وقف تشديد سياسته النقدية مؤقتاً في الوقت الحالي، على أن يستأنف رفع الفائدة لاحقاً.
وبات المستثمرون حاليا يقومون بتسعير احتمال بنسبة 60% أن يرفع الإحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس يوم الأربعاء، بينما يراهن الباقي على عدم وجود تغيير. وقال بعض المسؤولين التنفيذيين في الصناعة إن على البنك المركزي إعطاء الأولوية للإستقرار المالي الآن.