تواجه بريطانيا موجة جديدة من الإضرابات والمسيرات الاحتجاجية، من قبل الممرضين وعمال البريد والأساتذة الجامعيين، أشعلتها أزمة مريرة في تكلفة المعيشة ناجمة عن تنامي معدلات التضخم وتدهور الاقتصاد، وما رافقهما من انخفاض الأجور.
وقفز معدل التضخم السنوي في بريطانيا إلى 11.1 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من 10.1 بالمئة في سبتمبر/أيلول المنصرم، وهو أعلى مستوى للتضخم في البلاد منذ أكتوبر 1981.
ودخل العمال في جميع أنحاء بريطانيا في إضراب خلال الصيف الماضي، ومع التأثير السلبي لخروج المملكة من الاتحاد الأوروبي وجائحة كورونا، إضافة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا مؤخرًا، تفاقمت أزمة تكلفة المعيشة، ما تسبب في مزيد من الإضرابات خلال فصل الشتاء الحالي.
وأضافت عملية مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي “بريكست” ما يقرب من 6 مليارات جنيه إسترليني (7.3 مليار دولار) إلى فواتير الطعام المنزلية في البلد، مع تحمل أفقر الناس وطأة التكاليف المرتفعة، وفقًا لبحث جديد أجرته كلية لندن للاقتصاد.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 3 بالمئة على أساس سنوي، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد عام 2020، مما أدى إلى قفزة بنسبة 6 بالمئة في مستوى الأسعار على مدار عامين.
تشهد بريطانيا موجة إضرابات، من قبل الممرضين وعمال البريد والأساتذة الجامعيي
قطاع المواصلات
لا يزال إضراب عمال السكك الحديدية الذي بدأ في الصيف الماضي مستمرًا ببريطانيا، حيث من المتوقع أن يشارك حوالي 40 ألف موظف من شبكة السكك الحديدية (حكومية) و14 شركة أخرى للسكك الحديدية في تحركات واحتجاجات جماعية خلال 13، 14، 16، 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ومن المتوقع أن تتأثر حوالي 50 بالمئة من خدمات القطارات في جميع أنحاء بريطانيا، جراء إضراب متوقع لعمال السكك الحديدية في 27 ديسمبر الجاري.
كما أعلن سائقو حافلات العاصمة لندن عن تنفيذ تحرك احتجاجي جماعي في الفترة التي تسبق عيد الميلاد، خلال أيام 9، 10، 15، 16، 17 ديسمبر.
القطاع الصحي
وعلى هذا النحو، يستعد العاملون في قطاع التمريض ببريطانيا، للإضراب خلال يومي 15 و 20 ديسمبر، بسبب نزاع على الأجور مع الحكومة.
وسيجري الإضراب في جميع أنحاء إنجلترا وأيرلندا الشمالية وويلز.
ومن المتوقع أن يشارك حوالي 100 ألف ممرض في الإضراب، على أن يستمر تقديم خدمات الرعاية الطارئة.
كما أكد اتحاد “جي إم بي” المعني بالممرضين والعاملين في قطاع الصحة بالمملكة، الثلاثاء، أن أكثر من 10 آلاف من عمال الإسعاف في إنجلترا وويلز سيضربون يومي 21 و28 ديسمبر، بسبب مشكلات في الأجور، وستشمل الإضرابات أيضًا المسعفين وموظفي غرفة التحكم وعمال الدعم.
ويطالب العاملون في قطاع الصحة الحكومة البريطانية بمنحهم زيادات في الأجور تزيد عن معدلات التضخم.
القطاع البريدي والخدمات العامة
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظم العاملون في القطاع البريدي تحرك جماعي واحتجاجات على خلفية نزاع حول الأجور، ورفض العمال عرض مسؤولي نقابة عمال البريد الملكي “رويال ميل” زيادة في الأجور بنسبة 2 بالمئة فقط، معتبرين أن هذه الزيادة لا تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
و أعلن اتحاد عمال البريد البريطاني بدء إضراب على مستوى البلاد قبل عيد الميلاد، خلال أيام 9، 11، 14، 15، 23، 24 ديسمبر الجاري.
كما أعلن آلاف العمال العموميين المنتسبين إلى نقابة الخدمات العامة والتجارية، عزمهم تنظيم إضراب يستمر ثمانية أيام بدايةً من 23 ديسمبر.
ويشارك في هذا الإضراب حرس الحدود العاملين في مطارات برمنغهام، كارديف، جاتويك، هيثرو، مانشستر، بالإضافة إلى ميناء نيوهافن.
وكان آلاف الأشخاص من حوالي 150 جامعة في جميع أنحاء بريطانيا، انضموا إلى حركة الإضرابات والاحتجاجات التي استمرت ثلاثة أيام في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وشارك المعلمون في جميع أنحاء اسكتلندا في إضراب استمر يومي الأربعاء والخميس، مما تسبب في إجبار المدارس على الإغلاق.
وكانت الحكومة الاسكتلندية عرضت في السابق زيادة في الأجور بنسبة 6.85 بالمئة كحد أقصى، ووصفت مطالب النقابات بأنها “غير معقولة”.
وبينما وافقت بعض الجهات على الزيادة المقترحة من الحكومة الاسكتلندية، رفضها عمال آخرون واستمروا في الإضراب، بينهم عمال ميناء فليكسستو.
استجابة حكومية
بدوره، انتقد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الأربعاء، ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والإضرابات في بلاده، معلنا أن حكومته تعمل على سن “قوانين صارمة” جديدة لمواجهة الإضرابات واسعة النطاق للموظفين العموميين.
وقال سوناك لنواب البرلمان: “إذا استمر قادة النقابات في التصرف بشكل غير معقول، فمن واجبي أن أتخذ إجراءات لحماية حياة ومعيشة الشعب البريطاني”.
يُذكر أن مشروع قانون لضمان الحد الأدنى من الخدمة عبر شبكات النقل أثناء الإضرابات، قُدم إلى البرلمان البريطاني لكن لم يتم وضعه على جدول الأعمال من قبل النواب وأعضاء مجلس اللوردات (الشيوخ).
في السياق، أوضح مكتب رئيس الوزراء، أن التشريع سيتم توسيعه ليشمل خدمات أخرى، لكنه لم يحدد ماهية هذه الخدمات، ولم يحدد أي جدول زمني.
وقال وزير النقل مارك هاربر، إن مشروع القانون يمكن أن “يحسن الخدمة التي يتلقاها الركاب في أيام الإضراب” في المستقبل، لكنه “لن يساعد في الإضرابات التي نواجهها اليوم”.
وأشار أن أولويته هي حل الخلاف مع نقابات السكك الحديدية حتى لا تنقطع السبل بالركاب خلال أيام الإضرابات.